الطب البديل لا يلغي دور الطبيب
ينتشر الآن في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية وبعض دول الشرق كالهند وباكستان ما يسمى بالطب البديل، أو الطب المكمل كما بطلق عليه في بعض الأحيان للدلالة على أن هذا الطب ليس بديلاً عن الطب المتداول وإنما مكملاً له. الاصطلاحان لا يعطيان، برأيي، تعريفاً دقيقاً للموضوع.
فأنواع المعالجات البديلة ليست بديلة بمعنى الاستغناء بها دائماً وفي جميع الحالات عن الطب المتداول. لأنه قد رسخ في الذهن أن الوسائل التي تساعد الطبيب على تشخيص المرض كأجهزة قياس ضغط الدم وتحليل الدم وصور الأشعة وتخطيط القلب ما هي إلا جزء لا يتجزأ من العلاج المتداول. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن بعض أطباء وممارسي المعالجة البديلة من الممكن أن يستفيدوا من العقاقير الطبية (التي يعتمد عليها الطب المتداولة) في بعض الحالات خصوصاً الخطرة والاضطرارية. كذلك فهم لا يستغنون عن العملية الجراحية عندما لا يكون هناك حل غيرها، بنظرهم. أما اصطلاح الطب المكمل فيوحي بأن الطب المتداول الأساس، أما الطب البديل فيكمله ويساعده ويساعد بعض ثغراته.
وهذا غير صحيح لأن كل نوع من أنواع الطب البديل علم قائم بذاته، ويستطيع في كثير من الحالات أو معظمها أن يعتمد على إمكانياته في علاج المرضى. وإذا ما احتاج إلى مساعدة ما فأنه يطلبها من نوع آخر من أنواع الطب البديل. وعلى هذا لا يكمل الطب المتداول بمعنى أنه ثانوي والمتداول هو الرئيسي، ولكن معنى أنه مكمل له في عموم العلوم الطبية التي يلجأ إليها المريض للتخلص من مرضه. فهو مكمل له كعلوم أخرى إلى جانبه، لك الخيار كمريض في أن تتجه إلى اينما تشاء.
ما هو الطب البديل
هو مجموعة الطرق العلاجية التي تتعامل مع المريض ككل وليس مع الأعراض المرضية فقط، والتي لا تلجأ في علاجها إلى العقاقير الكيماوية التي يلجأ إليها الطب المتداول. فالطب البديل هو طرق المعالجة الأخرى والتي تشق طريقها بوتيرة متسارعة في عالم اليوم.وفي الواقع فإن بعض أطباء هذه الطرق يسمون الطب المتداول بالطب الآخر.
لمــاذا ؟
أول سؤال يتبادر إلى ذهن القارئ، خصوصاً إذا لم يكن مبتلى بمرض ما، هو لماذا يلجأ الناس اليوم إلى هذه الطرق العلاجية ويدعون الطريقة العلاجية المتداولة والموجودة في كل زاوية من زوايا العالم ؟. هل أن الطب البديل ناجح في علاج ما عجز عنه الطب المتداول ؟ وهل هناك أسباب أخرى ؟.
والجواب هو نعم ! فالطب البديل قد نجح في علاج حالات مرضية كثيرة يعدها الطب المتداول (ومعه الناس) بحكم الميئوس منها. كما نجح في علاج حالات مرضية كثيرة ومنع إصابة المريض بها مرة أخرى كما يحصل مع الطب المتداول في علاجه للكثير من الأمراض، إذ يشفى المريض ثم تعود أعراض المرض بعد فترة من الزمن قد تكون طويلة بحيث لا يعتبرها مرتبطة مع سابقته.
الفكرة الأساسية
يعتقد أطباء ومعالجو الطب البديل أن العلاج لا يكون ناجحاً إذا لم يتعامل مع المريض ككل. بعبارة أوضح، ليس علاجاً ناجحاً ما يحاول شفاء الحالة المرضية بالتعامل مع ذلك الجزء من الجسم الذي تبدو عليه أعراض تلك الحالة. فالذي يشكو من الربو لا يشفى بإعطائه عقاقير تتعامل مع الجهاز التنفسي فحسب. والذي يشكو من الصداع المزمن لا يشفى بتناوله قرصاً من أقراص الأسبرين إلا لفترة من الزمن ثم يعود إليه الصداع كما كان.
وحتى في الحالات الأصعب كالسرطان، ليس علاجاً ناجحاً ما يتعامل مع المنطقة السرطانية فقط وواقع الحال يبين لنا بوضوح صحة هذا الرأي. فإن السرطان من الممكن أن يتوقف لفترة من الزمن بواسطة العقاقير الكيماوية أو بالتعريض للإشعاع، ثم يعود إلى النشاط. وحتى العملية الجراحية التي يلجأ إليها كحل أخير لاستئصال الخلايا السرطانية فإنها لا تعطي ضماناً بعدم ظهور السرطان في مكان آخر، والشواهد كثيرة جداً على ذلك.
إذن ما هو الحل بنظر الطب البديل ؟ أو ما هو المرض حقيقة ؟ من وجهة نظر الطب البديل فإنه في أغلب الأحيان لا يوجد مرض بل إنسان مريض. ففيما عدا الإصابات الخارجية كالكسور مثلاً، لا يصاب الإنسان بمرض، أو لا يؤثر فيه المرض فلا تظهر عليه آثاره، إلا إذا كانت هناك مشكلة داخلية أصلاً. وهذه المشكلة قد تكمن في جهاز المناعة، أو في التوازن الداخلي القائم في الجسم كما خلقه الله تعالى، وإلا فلماذا يجلس شخصان في غرفة واحدة وهما يعودان مصاباً بالأنّفلونزا مثلاً، فتصيب الأنّفلونزا أحدهما بالعدوى ولا تصيب الآخر عائلة كاملة طعاماً واحداً فيصاب البعض بتسمم ولا يصاب البعض الآخر؟
وحتى بعد إصابة شخصين بالبرد مثلاً فإن أحدهما يتماثل للشفاء أسرع من الآخر،حتى وإن كانا متساويين في صفات الجسم والسن والبيئة ؟.
وعلى هذا، فإن الطبيب والمعالج عندما يعطى الدواء الفلاني أو يقوم بتدليك معين أو يضع الإبرة (الصينية) في مكان ما، إنما يحاول إعادة التوازن الطبيعي للجسم بمساعدة قدرة الجسم الذاتية لمقاومة الأمراض. فإذا ما عادت هذه القدرة إلى وضعها الطبيعي قاومت المرض وقضت عليه. ولهذا تجد أنّ نزلة البرد لا تحتاج لكي تزول أعراضها لأي دواء.
ولا يحتاج الجرح، حتى وإن كان عميقاً، إلى أي تدخل ليشفى. ولا يحتاج الكسر من الجراح إلا بأن يضع طرفي الكسر من العظام في مكانهما الصحيح ليلتئم بعد فترة من الزمن وغير ذلك كثير.
النظرة الكلية
هي حجر الزاوية في الطب البديل وبالتالي هي نقطة الاختلاف الأساسية بينه وبين الطب المتداول. جوانب أخرى أولاها هي عدم رفض الطب البديل لخبرات البشرية الطويلة في العلاج لحساب تفكير لم يمض عليه كثيراً و أثبتت الشواهد اليومية عقمه في كثير من الحالات.
فالطب البديل يأخذ بالطرق العلاجية القديمة التي أثبتت كفاءتها بأن تعاملت بنجاح مع مختلف الحالات المرضية على مر العصور وبنفس الوقت فهو لا يترك أسلوباً حديثاً إلا ويختبره ليري مدى صلاحيته لتخفيف معاناة المريض فلا يمكن أن تكون الإبر الصينية مثلاً التي عالجت ملايين البشر لفترة آلاف السنين.
لا يمكن أن تكون طريقة علاجية فاشلة ولا يمكن أن تكون الأعشاب مثلاً التي عالجت ملايين البشر لفترة طويلة من الزمن طريقة علاجية فاشلة هذا وسترى بأن بعض طرق العلاج البديل أحدث من العلاج المتداول، وهذا أمر مهم لمن يكرهون كل قديم لا لشيء إلا لأنّه قديم. ولعمري لو كانت طريقتنا الحديثة في المعيشة طريقة صحيحة لم إذاً ارتفعت معدلات الوفيات بالقلب والسرطان إلى مستويات مخيفة.
ولم ارتفاع معدلات الإصابة بهذه الأمراض وبالانهيار العصبي والكآبة وقرحة المعدة وعجز الكلى إلى آخر القائمة إلى مستويات مرتفعة جداً.
ولم هذه الأمراض الجديدة كالإيدز الذي إن لم يتم التعامل مع أسبابه أولاً وهي أسباب اجتماعية أخلاقية في المقام الأول، فسوف يقضي على قسم من البشر لا يعلمه إلا الله. فإذاً، ليس كل قديم خطأ، وليس كل حديث صحيح.
وثانيها: تخلص المريض من أخطار الآثار الجانبية للعقاقير التي يلجأ إليها الطب المتداول فهذه العقاقير ما هي إلا سموم ما إن تنفع من جانب إلا وتضر من جانب آخر على عكس طرق العلاج البديل كما سترى في كل فصل على حدة ولعل هذه السمة من أهم الأسباب التي تدفع الناس إلى الأخذ بطرق العلاج البديل.
وسأعطيك فكرة موجزة عن مخاطر بعض الأدوية المتداولة فيما سيأتي.
وجانب آخر هو الكلفة القليلة للعلاج البديل بما لا يقاس بالكلفة العالية للطب المتداول والتي قد تصل إلى مبالغ لا يقدر عليها كما في العمليات الجراحية، هذه العمليات التي من الممكن تجاوز الكثير منها إذا ما لجأ المرضى إلى الطب البديل منذ مراحل المرض الأولى.
وجانب آخر هو إحساس المريض باهتمام الطبيب أو المعالج أكثر بكثير من الطبيب الاعتيادي والسبب وراء ذلك هو أنّ طرق العلاج البديل تتطلب معرفة متكاملة بالمريض؛ بيئته، عائلته، تاريخه المرضي وما قبل المرض، ووضعه النفسي، مهنته وغير ذلك كل هذا يجعله ملماً بشخصية المريض ومشاكله مما يتيح للمريض فرصة التخلص من بعض المكبوتات، ويتيح له الظرف شخصاً متعاطف معه ويريد أن يساعده. وهذا مفقود في معظم الدوائر الطبية الاعتيادية.
وأحد الجوانب المهمة جداً في طرق العلاج البديلة هو عدم الاختصاص! فليس هناك طبيب للعيون وآخر الأمراض القلب وثالث الأمراض المجاري البولية إلى آخر القائمة. وهذا يعود إلى أن الفكرة الأساسية للعلاج تقوم على التعامل مع الإنسان ككل كما أسلفناً و بذلك فعلى المعالج أن يكتشف السبب الرئيسي الكامن وراء الأعراض الحاصلة في جهاز واحد معين من الجسم وعندما يجد الدواء المناسب، أياً كان شكله، سيستطيع حل المشكلة. وهذا ليس بالغريب حتى في الطب المتداول.
ألا يوجد من بين مرض قرحة المعدة من كانت حالته العصبية والنفسية هي السبب وراء حالته المرضية. فبدون إزالة أسباب الحالة لن يشف المريض، بل سيظل يتناول حبوب منع الحموضة وغير ذلك من الوسائل العقيمة إلى ما لا نهاية. وفي الواقع فإن هذا يجعل ممارسة الطب البديل أصعب بكثير من ممارسة الطب المتداول وهذا واضح.
ما هي حدود العلاج ؟
ليس هناك حدود إطلاقا. فالطب البديل يعالج كل الأمراض (أو الأشخاص المرضى في الحقيقة). نعم، ليس هناك حدود، فهذه الطرق العلاجية ليست وسائل بدائية للتعامل مع الأمراض البسيطة فقط كما قد يتوهم، بل هي أنظمة طبية ناجعة يمكن اللجوء إليها في الحالات المرضية جميعا. وستقرأ فيما سيأتي فصول الكتاب عن حالات مرضية شفيت تماماً في زمان كان مجرد التفكير بإمكانية ذلك من المحالات.
فإذا ما أعطي الجسم العلاج الصحيح مائة بالمائة فلا بد أن يشف من المرض. هذا هو رأي الطب البديل فليس هناك أمراض مستعصية كالتي رسخ في أذهاننا أنها كذلك كالسرطان والمفاصل والربو إلى آخر القائمة الطويلة جداً. هناك حالات مرضية، منها ما هو متقدم معقد ومنها ما هو دون ذلك. و في كل منها هناك عامل شخصي يفصل بين مريض وآخر.
على أننا نحب أن نؤكد هنا، أننا لا نعني أن الشفاء مضمون إذا ما راجع المريض إحدى عيادات الطب البديل. فالشفاء يتوقف على عوامل عدة لعل أهمها تمكن الطبيب أو الممارس المعالج من الطريقة العلاجية بحيث يمكن أن يصيب الهدف. فهناك الكثيرون من مدعي العلم وهم ليسوا هناك. وهذا وإن كان موجوداً في الطب، المتداول.
أيضاً، إلا أنه في الأخير في حدود أضيق بسبب وجود ضوابط أكثر. فلا بد إذا من التحقق من حصول الطبيب أو المعالج على الدرجة المطلوبة من العلم من خلال المعاهد والكليات المعترف بها والتي لا ينال شهاداتها إلا من أتم الدراسة الكافية. وسنذكر في نهاية الكتاب بعض العناوين المفيدة في هذا المجال.
ومن العوامل الأخرى التزام المريض الدقيق بالعلاج، مع الصبر. فإن العلاج يطول في معظم الحالات المتقدمة والمزمنة. وحتى في الحالات المتوسطة فإن العلاج أبطأ منه في الطب المتداول. ذلك لأنّ الطب البديل لا يعتمد على قرص. العقار لقتل المكروبات وينهي المشكلة مؤقتاً، بل يعول على طريقة الطبيعة الهادئة الرفيقة بالمريض وهذا ما يتطلب وقتاً، أي صبراً من المريض.
وهنا يكون الصبر أصب من المعتاد، لأنّه مصحوب بالتشكيكات ممن لا يعرف شيئاً عن هذا الطرق البديلة،أو ممن تنافسه مهنياً. ولكن إن استطاع المريض تخطي ذلك فإن الجائزة في نهاية المطاف تستحق أكثر من هذا الصبر.
مخاطر الأدوية المتداولة: يعتمد الطب المتداول على العقاقير الكيماوية، من أقراص وكبسولات وسوائل وحقن، بالدرجة الأساسية لعلاج الحالات المرضية المختلفة.
فهذه تشكل حجر الزاوية في نظرة الطب المتداول إلى المرض. فإذا ما فشلت هذه الأدوية يلجأ إلى الجراحة. وأثناء وبعد العملية الجراحية يعطى المريض كميات أكبر من هذه الأدوية. وهناك طرق علاجية أخرى لا تمثل إلا جزءاً يسيراً جداً من العلاج المتداول، كالعلاج الطبيعي من تمارين وتدليك، وتعريض للإشعاع، والكهرباء وغيرها. إلا أن العقاقير تبقى هي الأساس في العلاج المتداول.
وقد غدا معروفاً عقم الكثير من هذه العقاقير في علاج الكثير من الحالات المرضية. وفي كل وقت هناك آما الجديدة تبنى على وعود. تصدر من مؤسسات البحوث وشركات الأدوية والدوائر الطبية المختلفة عن دواء جديد للمرض الفلاني. وبعد أن يخرج إلى السوق ويبدأ الأطباء بوصفه للمرض بفترة من الزمن يتبدد الأمل ويكتشف الناس إن هذا الدواء الجديد ليس أفضل من سابقه.